في إطار رؤية الدولة للوصول إلى صناعة وطنية قوية مستدامة طبقا للاشتراطات العالمية، تم إطـــــــلاق الاســـــــتراتيجية الوطنيــة للصــناعة والتــي ترتكـــــــز علـــــــى جـــــــذب الاســــــتثمارات لتعميــــــق الصــــــناعة، مــــــن خــــــلال استهداف قطاعات صناعية ذات أولويـــة تمتلـــك مصـــر فيهــــا قاعــــدة تصــــنيعية وفرصـــا ومزايـــا تنافســـية على المستويين الإقليمـي والعالمي.
وتستهدف الاسـتراتيجية إحراز عـدد مـن الأهـداف الأساسية بحلـول العـام المــــالي 2026/2027، أهمهـــا زيـــادة نصـــيب الصــــناعة مــــن النــــاتج المحلــي الإجمــالي إلــى 20%، والوصـــول إلـــى معدل نمو للصادرات يتراوح بين 18-25% سنويا.
وعملت الدولة على تحديد عدد من الصناعات الاستراتيجية ذات الأولوية والتي تعتمد عليها صناعات أخرى لضمان استدامة سلاسل الإمداد المحلية وتم منحها حوافز استثنائية لجذب كيانات تصنيع عالمية، ومن بين تلك الحوافز:
الإلغاء من كافة أنواع الضرائب عدا ضريبة القيمة المضافة لمدة 5 سنوات للتنفيذ والتشغيل في مدة أقصاها 3 سنوات ومع إمكانية استعادة نسبة 50% من قيمة المرافق حال الانتهاء من المشروع في نصف المدة، وجواز مد الإعفاء الضريبي حتى خمس سنوات إضافية وفقا لضوابط محددة.
توفير فرص العمل، حيث تعتبر الصناعة مصدراً مهماً لتوفير الوظائف، فهي تزيد الإنتاجية، وتعمل على تشغيل آلاف العمال والفنيين والإداريين في مختلف المستويات الوظيفية.
فالصناعات الوطنية تساهم في تنمية صناعة الأمن الوطني والتحول التطويري للاقتصاد الوطني، بالإضافة إلى الحفاظ على الموارد الوطنية واستثماراتها.
الدخل القومي يمكن أن يتحسن من خلال زيادة الصادرات الوطنية التي يدعمها القطاع الصناعي، الذي يصل إلى أكثر من 130 سوقاً عالمياً، وبذلك يكون المساهم الأكبر في جذب العملات الأجنبية الداعمة لاحتياطات الدولة.
أكثر من 85 % من الصادرات الوطنية هي صادرات صناعية تؤدي دوراً رئيسياً في زيادة الدخل القومي وتوفير الفرص الاستثمارية الجذابة للمستثمرين والشركات.
لا يمكن أن تتوفر المنتجات المحلية في الأسواق بدون وجود قطاع صناعي قوي يتلقى دعماً من الدولة بكافة أشكال الدعم والتسهيلات والحوافز. الدعم المستمر للصناعة مهم جداً لتوفير السلع والخدمات المحلية والحفاظ على اقتصاد الدولة ككل. وبالتالي، فإن دعم الصناعة يعد أمراً ضرورياً لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، وتوفير فرص العمل، وتحسين جودة الحياة للمواطنين. تعددت جهود الدولة للنهوض بالقطاع الصناعي؛ فشملت تطوير البنية التحتية، وتهيئة بيئة الأعمال، ورفع كفاءة ومهارات العنصر البشري.
وعلى الرغم من أزمة جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية استمرت الدولة في ملف الإصلاح وفقًا لرؤية الدولة للوصول إلى صناعة وطنية قوية مستدامة طبقًا للاشتراطات العالمية.
وقد خلّفت تلك الأزمات العالمية عددًا من الفرص الاستثمارية للاقتصاد المصري، ولا سيما بالنسبة لقطاع الصناعة، بحثًا عن الاستقرار الجيوسياسي، وسلاسل إمداد أكثر استقرارًا.
وبصفة عامة، فإن الاقتصاد المصري يتسم بتوفر كافة عناصر النظام البيئي الداعم لقطاع الصناعة من توفر المواد الخام، ووجود الأيدي العامة، فضلًا عن توفر سوق استهلاكي كبير وموقع استراتيجي متميز يمنح فرص مختلفة للنفاذ للأسواق الخارجية عبر المناطق اللوجستية والموانئ البرية والجافة والبحرية والجوية المختلفة.
وقد انعكست كافة تلك العوامل مجتمعة، من جهود وطنية وظروف عالمية وسمات محلية، على إتاحة عدد من الفرص الاستثمارية الواعدة في عدد من القطاعات الصناعية.
جاء العنصر البشري ضمن خطة الدولة في التطوير والتنمية منذ عام 2019 عندما أعلن السيد رئيس الجمهورية عام 2019 عامًا للتعليم، وتم وضع خريطة واضحة واستراتيجية شاملة لوضع التعليم في مكانته، باعتباره الجناح الثاني بعد الصحة لمنظومة بناء الإنسان المصري. وتضمنت استراتيجية الدولة لتطوير المناهج والارتقاء بجودة المنظومة التعليمية، أربعة محاور رئيسة، منها:
تطوير المدارس التكنولوجية للتعليم الفني، بالإضافة إلى المحاور الثلاثة المتمثلة في تطوير نظام التعليم، وتعديل نظام الثانوية العامة، وفتح المدارس اليابانية.
وانتهجت الدولة المصرية رؤية استراتيجية شاملة ومتكاملة لتعزيز إتاحة التعليم الفني وفـق أحــدث النظم والبرامج العالمية المتعارف عليها، وتهدف الاستراتيجية حتى عـام 2030 إلى زيــادة نسبة الملتحقين بالتعليم الفني من المتفوقين في الإعدادية الحاصلين على مجموع أعلى من 85% إلى 20% بحلول عام 2030.
وتضمنت الاستراتيجية أيضًا زيـادة نسبة خريجي التعليم الفني الذين يعملون في مجال تخصصاتهم إلى 80% عام 2030، وزيــادة نسبة مؤسسات التعليم الفني والمهني القائمة على الشراكة المجتمعية إلى%20 عام 2030. وقد تم تطوير منظومة المدارس الفنية الصناعية المختلفة، ورفع قدرات العاملين بها، وذلك بالشراكة والتعاون مع القطاع الخاص، ودعم التخصصات الصناعية التي تصب في صالح خطط التنمية الشاملة في مصر.
وقام مجلس الصناعة للتكنولوجيا والابتكار بوضع استراتيجية للمرحلة الجديدة لتوفير خدمات الدعم الفني والتشغيل على الآلات والمعدات بالمراكز التكنولوجية، ورفع كفاءة الكوادر الفنية المطلوبة لنقل وتوطين التكنولوجيا، وإجراء الاختبارات المتخصصة لتطوير المنتجات الصناعية وزيادة القيمة المضافة، إلى جانب توفير الحضانات التكنولوجية، فضلًا عن تسهيل الحصول على تمويل وتوفير المساندة المالية لشركات التصدير.
وعملت الدولة على الارتقاء بالمنظومة التعليمية الخاصة بالتعليم التقني في الجامعات المصرية؛ حيث وافق مجلس النواب في ديسمبر 2021 على مشروع قانون إنشاء الهيئة المصرية لضمان الجودة والاعتماد في التعليم الفني والتقني والتدريب المهني.
كما تم إطلاق منظومة مدارس التكنولوجيا التطبيقية، وأطلقت المبادرة الوطنية لتطوير الصناعة المصرية “ابدأ” نموذج المدارس الوطنية للعلوم التقنية بنظام التكنولوجيا التطبيقية بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني. وتم افتتاح مدرستين من مدارس “ابدأ” للعلوم التقنية خلال النسخة الثانية للملتقى والمعرض الدولي السنوي للصناعة، وهما مدرسة “ابدأ” الوطنية للعلوم التقنية ببدر والمتخصصة بمجال الذكاء الاصطناعي، ومدرسة “ابدأ” الوطنية للعلوم التقنية بدمياط والمتخصصة بمجالي الخدمات اللوجستية وصيانة وإصلاح السفن.
انعكست جهود الدولة على إتاحة عدد من الفرص الاستثمارية الواعدة في عدد من القطاعات الصناعية؛ فأتاح التوسع في اكتشافات الغاز فرص واعدة بقطاع الطاقة والاسمدة والكيماويات. وانعكس تطوير البنية التحتية الرقمية على تهيئة المجال لصناعة الإلكترونيات والصناعات التكنولوجية.
وهناك فرص جديدة بقطاع الصناعات الثقيلة مع إطلاق استراتيجية صناعة السيارات. وفي ظل توجه الدولة نحو استراتيجية مواجهة التغيرات المناخية تم إتاحة عدد من الفرص في مجال الصناعات الخضراء صديقة للبيئة.
وكذلك هناك فرص أخرى في قطاع الصناعات النسيجية مع إطلاق الدولة خمسة محاور رئيسية لدعم الصناعات النسيجية، تتمثل في:
مشروع تطوير شركات الغزل والنسيج، وخطة تطوير محالج القطن، وتشييد مجمع الغزل والنسيج بمدينة الروبيكي، وتدشين أكبر مدينة لصناعة المنسوجات والملابس في مصر، وإطلاق منظومة جديدة لتداول القطن.
وبرزت أهمية قطاع الصناعات الدوائية في ظل أزمة جائحة كورونا التي سلطت الضوء على ما اتخذته الدولة المصرية من خطوات للنهوض بهذا القطاع منذ عام 2016، ونتج عنها استحواذ مصر على أكبر عدد من مصانع الأدوية والمستحضرات الدوائية والطبية في المنطقة العربية بعدد 158 مصنعًا عام 2019.
وشهد النصف الأول من 2021 افتتاح الرئيس عبد الفتاح السيسي أكبر مدينة دوائية في منطقة الشرق الأوسط والتي من أهدافها الإحلال محل الواردات لتلبية فجوة الطلب البالغة نحو 15% من إجمالي الاستهلاك المحلي للمقيمين.
ومع تعدد المناطق والفرص الاستثمارية في مصر، تأتي المنطقة الاقتصادية لقناة السويس واحدة من أهم الفرص الواعدة التي توفر للمستثمرين مجمعات صناعية، وتيسر الوصول لسلاسل التوريد ذات القيمة المضافة على المستوى العالمي.
وتمثل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس منطقة اقتصادية ذات طبيعة خاصة تضم 6 موانئ رئيسية، هي: ميناء شرق بورسعيد، وميناء غرب بورسعيد، وميناء الأدبية، وميناء العريش، وميناء الطور، وميناء السخنة.
وتتضمن 4 مناطق صناعية واعدة، هي:
المنطقة الصناعية بالعين السخنة، والمنطقة الصناعية بشرق بورسعيد، والمنطقة الصناعية بالقنطرة غرب، ومنطقة وادي التكنولوجيا بشرق الإسماعيلية.
وعلى الجانب الآخر، سوف يتأثر مستقبل القطاع الصناعي في مصر بالتوسع في نهج الشراكات الإقليمية والدولية، والانضمام لتكتلات اقتصادية، الأمر الذي ينعكس على تعدد روابط التعاون بين مصر وكافة أنحاء العالم، ويتيح عددًا من المكاسب والفرص الاقتصادية للدولة، ولا سيما فيما يتعلق بفرص جذب الاستثمار الصناعي ونقل وتوطين التكنولوجيا الحديثة والمتقدمة، وفتح آفاق جديدة لنفاذ المنتجات المصرية للأسواق الخارجية.
-- الدكتور عادل عامر دكتور القانون العام والاقتصاد وخبير أمن المعلومات وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان