في كل الأحداث التاريخية السابقة والحروب الكبرى التي حدثت كمثال الحرب العالمية الأولى والثانية شهدت الأسواق تقلبات عنيفة في أسعار السلع فيما شهدت أسواق المال انهيارات كبيرة ولكن في غضون بضعة أشهر كانت قد استطاعت تقليص خسائرها بل إن بعضها نجح في الصعود مع نهاية العام الذي اندلعت فيه تلك المواجهات الدامية .
وإن كان "التاريخ قد لا يعيد نفسه ولكنه يتشابه" كما يقول "مارك توين" إلا إننا يمكن أن ننظر إليه بعين الإهتمام لنستقى منه خبرات وتجارب قد تتكرر أو يحدث بعضاً منها . وأذا نظرنا إلى الماضي قليلاً في أثناء الحروب الكبرى وحاولنا أن نسترجع أحداثه يمكن أن نستنبط ما قد يحدث في الأسعار بشكل عام وأسواق المال بشكل خاص..
الحرب العالمية الأولى : -
عقب إندلاع الحرب العالمية الأولى 1914 و في فترة الستة أشهر الأولى شهدت الأسواق حالة من الفزع والإرتفاع المستمر في أسعار السلع ، وخسر مؤشر داوجونز الصناعي نحو 30 ٪ من قيمته في ذلك الوقت، ثم بعدها تم إيقاف التداولات و إغلاق البورصة, وبعد ستة أشهر ، عندما أعيد فتح الأسواق بالكامل في عام 1915 ، سجل داوجونز أعلى زيادة له في عام واحد بلغت نحو 88٪ من قيمته .
في نهاية الصراع الذي استمر من عام 1914 إلى عام 1918 ، وصل إجمالي إرتفاع المؤشر الأمريكى ما مجموعه 43٪ ، أو 8.7٪ سنويًا.
الحرب العالمية الثانية:-
مع اتساع التهديدات النازية باجتياح العالم وبمجرد إعلان زعيم إلمانيا في حينها "هتلر" إجتياح دولة بولندا في 1 سبتمبر 1939 إنخفضت المؤشرات بشكل كبير، ثم ما لبست أن عاودت الإرتفاع بنسبة 10٪ في الجلسة التالية في 5 سبتمبر 1939.
ومع الهجوم الياباني على ميناء بيرل هاربور الأمريكي في "ديسمبر 1941" ، فتحت الأسهم على انخفاض (بنسبة 2.9٪ فقط) لكنها تعافت في أقل من شهر. وعندما غزت قوات الحلفاء فرنسا في 1944 ، إنخفضت الأسواق المالية بشكل كبير ولكن سجل مؤشر داو جونز الصناعي زيادة بنسبة 5٪ في الشهر التالي.
وكما حدث في الحرب العالمية الأولى، ومع نهاية الحرب العالمية الثانية التي استمرت من عام 1939 إلى عام 1945، إستطاع مؤشر داوجونز أن يرتفع بنسبة 50 ٪ بشكل عام ، أو 7 ٪ سنويًا.
وعلى الجانب الأخر من الأحداث شهدت بالفعل أسعار كافة السلع موجة تصاعدية مستمرة بسبب حالة الحرب وتوقف الإنتاج وإنخفاض المعروض وزيادة الطلب وهو ما أثر بالسلب على كافة اقتصاديات العالم ولكن في غضون فترة ما بين ستة أشهر إلى عام كانت الأسواق قد إستطاعت أن تمتص تلك الأحداث وأن تستوعبها ليعود بعدها الإنتاج إلى وضعه السابق وتستقر سلاسل الإمداد ومعها الأسعار . هذه كانت بعض من أبرز الأحداث التي شهدتها الأسواق المالية في فترات الحروب الكبرى..، واليوم وكما ذكرنا في بداية المقال ونؤكده في نهايته بأن التاريخ لا يعيد نفسه لكنه قد يتشابه وبالرغم من أنه لا يجب أن نأخذ بيانات الماضي ونعتقد أن الحاضر والمستقبل ستكون هي نفسها تمامًا في ظل الإختلاف الجذري في الأوضاع والتقدم التكنولوجي الذي نعيش فيه . لكننا في الوقت نفسه يمكننا أن نقول أن التاريخ والأرقام تظهر أنه من الخطأ القول إنه في أوقات الحرب تنهار الأسواق, بل يمكن القول إنها قد تستطيع وبعد فترة ما أن تتأقلم مع الأحداث وتعوض من خسائرها المحققة بل قد تنجح فى تحقيق ارتفاعات ملحوظة ،لذا فعلى كل مستثمر أن ينظر إلى الأوضاع بحكمة و يتأني في إتخاذ القرار ، وعلى الحكومة أن تفرض رقابة شديدة على أسواق السلع بشكل ملموس و بحسم ،مع متابعة يومية مستمرة للسيطرة على ارتفاع الأسعار وحتى لا يقوم البعض من ضعاف النفوس بإستغلال الأوضاع لتحقيق ثروات غير مشروعة على حساب المواطن المطحون وحتى لا بعود مصطلح " غنى حرب " الذى كان شائعاً فى أوقات الحروب و الأزمات الكبرى .